[center] كنا نلتقي كثيرا أنا وبعض الأصدقاء الأعزاء وكانت هذه اللقاءات غير مبرمجه بدقه أنما كانت كثيره ومثيره !! .. وكنا نتجاذب أطراف الحديث !! وكانت المنافسه واضحة .. بالتالي كانت كل الأحاديث منتقاه بدقه وحرفيه تنم عن مخزون لا يستهان به من المعلومات والقصص المثيرة فكانت حكايات شائقة وجميله ومسليه ولا زلت احتفظ بشيء منها في ذا كرتي ..
كان صديقي أحمد من المتميزين جدا في هذا الجانب وكانت حكاياته جديره بالأهتمام وكان حريص أن يجعلها غاية في الدقه الأمر الذي يجعلك احيانا تتدخل في كتم أنفاسك حتى لا يضيع منك لفظ أو تعبير .. وذات يوم وبعد صمت استحوذ علينا بعض الوقت اذ به يعتدل في جلسته !! وينظر الينا نظره لاتخلو من المكر !! قائلا أود أن احكي لكم حكايه ولكن ممنوع الأستفسار بعد أكمالها وسأحكيها لكم كما سمعتها.. فقلنا له وبلسان واحد موافقون !! فاذا به يقول !!هذه الحكايه عن شاب يسكن في شارع ((الحمار)) كرم الله وجوه الجميع (( الشارع المحاذي لشارع حشيشه)) والمعروف عن مساكن هذا الشارع خاصة الواقعه عن يمينك معضمها مطل على ضفة وادي درنه وكانت متميزه بالمزارع الجميله ..
هذا الشاب بعد تناوله لوجبة الغداء ذات يوم وبعد أن شرب الشاي الأخضر بالنعناع الأخضر دخل وكعادته لينام قليلا وبينما هو في منامه رأىأنه ذهب الى البياصه الحمراء ووجد رجلا يبيع حصانا بالمزاد العلني وعندما وصل المزاد الى ال 1000 دينار وقبل أن تتم البيعه !! تدخل صاحبنا ليقول أنا أشتري(( بدينار))!! .. هنا أستيقظ صا حبنا مذعورا!! وهو يسأل نفسه ما هذا ؟!! هل هذا حلم أم حقيقه .. وبعد أطراقة ليست قصيره خرج من الحجره متجها نحو الحمام وشغل الدش ليقذف على رأسه بعض من قطرات الماْ ء لعلها ستساعده على طرد ما بهذه الجمجمه من شوائب ثم خرج وأقترب من أمه ليجلس وكعادته ملتصقا بها قليلا لتسمعه من عبارات الود والحنان والتي هي زاده اليومي ثم طلب من أخته عمل فنجانا من القهوه فأتت به على الفورمحاطا بثلاث دوائر من كعك أمه اللذيذ وبعد أن ارتشف كل ما بالفنجان من القهوه اتجه نحو حجرته وغير ثيابه وخرج من البيت والحلم لم يفارقه لحظه!! وصل شارع حشيشه وتجاوز مكتب البريد ودخل شارع ((وسع بالك)) ثم سوق الظلام وكان كلما أقترب من البياصه الحمرا أزدادت دقات قلبه دويا وقد حاول تغيير وجهته مرات ولكن سيطر عليه حب الفضول وكي يخرج مما فيه قرر أن يتجه الى البياصه الحمراء مباشرة وقلبه يكاد يخرج من بين جنبيه وما أن وصل الى هناك وجال ببصره في جنبات المكان مرتبكا حتى تسمرت أطرافه وأرتعشت أوصاله ونشف ريقه وأصفر لونه !! ياألله ايعقل هذا ؟ فاذا به ينتبه على نبرات البائع الحاده القويه المزعجه ((يللا 500 من يزيد 550 من يزيد أخرى يللا يللا )) وصاحبنا مندهشا مشدوها!! أيعقل هذا ؟ أنه نفس الرجل الذي رآه في المنام ونفس الحصان ونفس المتجمهرين والواقفين حول هذا الرجل الجاد النبرات الحاد الملامح .!!. اقترب قليلا !! ثم أقترب أكثر حتى وجد نفسه أمام الرجل وجها لوجه وهو يقول (( يللا 900 دينار حصان عربي أصيل أبيض اللون من سلاله معروفه يللا من يزيد ؟ فاذا بأحد الحاضرين يقول أشتري أنا بألف دينار ((وقد حضر هذا الرجل المزاد من أوله ولم ينطق قبل هذه الكلمات بكلمة واحده)) فزادت نبرات البائع حده وأزداد صراخه المقزز وصوته علوا(( يللا يللا )) من يزيد واحد من يزيد يللا يللا أثنين من يزيد ؟ يللا يللا وقبل أن يقول ثلاثه تدخل هذا الشاب البائس رغم أنفه لتنطلق منه نفس الكلمه التي نطقها في منامه (( أنا أشتري بدينار)) وفي لحظة صمت لفت المكان التفت اليه البائع غاضبا..ليقول له.!!. ماذا تقول؟ فكرر صاحبنا الكلمه ولكن هذه المره خرجت منه بدون صوت وسط ضحكات الحضور وسخرياتهم الكثيره !!.. هنا ايقن صاحبنا أن الشيطان استحوذ عليه وأن وجبة الغداء الدسمه جدا والتي كانت(( ابراك درناوي مع طبيخة فاصوليا بالكرشه وخبزة التنور وكأس لبن معرعر..و كل هذه المكونات made in العزوز ايطول الله في عمرها)) فأحس بحرج شديد وأراد أن يذهب ليتوارى عن العيون الساخره و قبل أن يعتقد أنه مجنون.!!. فاذا بصاحب الحصان يقول له تمهل أيها الشاب!! مبروك فالحصان لك.!!. هات الدينار ..وخذ حصانك .. وضع صاحبنا يده في جيبه ليخرج الدينار الوحيد الموجود بجيبه وأعطاه للرجل وأستلم الحصان وهوفي اشد الذهول مستغربا أشد الأستغراب .!!. ترى ما الذي يحدث!؟! .. اخذ الحصان متجها نحو البيت وهو لايدري كيف يتصرف .. بل ماذا يقول لأهله وماذا يفعل بالحصان ؟ و معلوماته عن أمورالخيل صفر .. وهو يمشى بخطوات لا تصلح ان توصل صاحبها الى أي مكان!! والناس في الطريق منهم من يقول له مبروك الحصان ومنهم من يقول له من أين لك هذا الحصان وأخرون يتفوهون بعبارات السخريه والتهكم دون أن يرد على أحدمنهم ولم ينتبه الا وهو واقفا أما بيته .. أنتظر قليلا واستجمع شتاته المشتت وجهز العبارات التي سيجيب بها بعد دخوله بالحصان الى البيت !!وما أن دخل وداعبت اصوات سنابك الحصان مسامع الموجودين بالداخل حتى تجمع اخوته الصغار وجاء والده ثم أمه وفي وسط الصراخ وتلك الجلبه التي يفعلها الأطفال في مثل هذه الظروف قال له والده !!ما هذا يا ولدي ؟ أجاب في ارتباك حصان!! قال له أعرف أنه حصان ولكن من أين لك ؟أجابه قائلا أنه لأحد الأصدقاء وهو مسافر وأراد مني الأحتفاظ به يومين!! فقط يومين ورددها مرات نعم يومين .. ثم دفع الباب الفاصل بين البيت والمزرعه بيده اليسرى وهو يجر الحصان بيده اليمنى ودخل المزرعه المسيجه بالصفيح والتي كانت تحتوي على الخيرات الكثيره!! الموز الدرناوي والتوت الأحمر والمشماش اللذيذ وكانت هناك حنفيه مسنودة الى جذع نخله ماتت منذ عهد بعيد وتحت الحنفيه هناك نصف برميل قديم لايقوى على الأحتفاظ بما يسقط فيه من ماء.. دخل الى السانيه وهو يجر وراءه هذا الحصان اللغز والذي كان في غاية الطواعيه يمشي وراءه بكل سهولة ويسر ثم ربطه في جذع النخله وجلس على مقربة منه وهو يتأمل مندهشا !!متعبا!! يضحك مرة ويصفق باليد اليمنى على اليسرى مره والعكس مرة أخرى .. وبعد فترة ليست قصيره ..قالت له نفسه المرتبكه الغريبه عنه في هذا اليوم.. ربما الحصان عطشانا فوقف وفتح الحنفيه وبدأ الماء ينسكب داخل البرميل.. ثم رجع الى جلسته ليتابع ما يحدث !! أقترب الحصان وأخذ يشرب الماء بطريقه غريبه حيث كان يمتص الماء من الحنفيه والشاب يراقب في هذا المشهد الذي لايخلو من الغرابه وبينما هو يتابع في هذه المشهديه فاذا بفم الحصان يدخل في الشيشمه (( الحنفيه ))ثم رأسه ثم بعد ذلك دخلت أرجله الأماميه ثم بطنه وصاحبنا يسأل نفسه . ما هذا ؟ ثم دخلت أرجله الخلفيه ومن ثم ذيله !! فقلنا له وبلسان واحد ماذا تقول ؟ قال نعم الحصان دخل في الشيشمه ووقف صاحبنا مذعورا وأقترب من الحنفيه وأنحنى ليستطلع الأمر !!ربما سيجد باقي ذيل الحصان حتى يستطيع أن يسحبه الى الخارج ولكن لم يجد أي شيء وبينما هو في حيرته وأستغرابه اذ بأمه تدخل عليه لتسأله أصعب سؤال في الوجود .. أين الحصان ؟ فاذا به يجيب عليها بأغرب وأحرج أجابه رغم قنا عته التامه بالأستحاله ألا أنه وجد نفسه مضطرا أن يقول لها أن الحصان دخل في الشيشمه ..ثم بعد ذلك دخل أخوته ثم أبيه وكانت أخته قريبة من الباب الفاصل بين المزرعه والبيت عندما سمعت اخيها الشاب العاقل المتزن المتفوق في دراسته الثانويه بالأسطى عمريقول لأبيها أن الحصان دخل في الشيشمه بلهجة جاده وأرتباك .. فقال له أبيه وهو يفتش بنظره في زوايا المزرعه عن الحصان.. ماذا تقول ؟ هل جننت ياولدي فرد عليه لا يا أبي لم أجن ولكن الحصان دخل في الشسيشمه .. نظر الأب الى الأم التى وقعت على الأرض مغشيا عليها ومع صراخ الصغار دخلت أخته مذعورة فزعة وهي تصرخ أمي أمي .. وجلس المسكين واضعا رأسه بين كفيه وهو يبكي ويقول والله الحصان دخل في الشيشمه .. الكل مستغرب الموقف والأمر لايصدق .. هل يعقل أن الحصان دخل في الشيشمه والأغرب من ذلك أن الحصان لا يوجد له أثر داخل المزرعه فأين ذهب الحصان؟؟
وصل الطبيب المعالج وسأله أين الحصان .. دخل في الشيشمه .. ثم بعد ذلك وصل الشيخ ليرقيه وبعد الرقيا اين الحصان ..؟ في الحنفيه وجاء أصدقائه والجيران والأقارب .. أين الحصان ؟ في الشيشمه .. وبعد التفكير والمشوره ذهبوا به لمستشفى الهواري ببنغازي وبعد جلسات الكهرباء والعقاقير.. والمعاناة ,, اين الحصان ؟ ؟ في الشيشمه وتأزم الوضع لأبعد الحدود وبعدمضي شهرين على وجوده بالمستشفى زاره أحد اصدقائه وأخذه في خلوه وقال له أني أصدقك أن الحصان دخل في الشيشمه ولكن ما دمت تقول هذه العباره صدقني لن تخرج من هنا !!وستزداد حالتك سوءا .. ولكي تخرج من هذا الكابوس يجب أن تلغي هذه العباره ومن يسألك عن الحصان قل له أنك أخرجته من خلال سياج المزرعه ورجعته لصا حبه .. ويكفيك هم وغم !!
في اليوم التالي دخل عليه الطبيب وقال له أين الحصان فأجابه كما قال له صديقه وعاد الى بيته وأعتقد الجميع بأنه كان مريضا وتماثل الى الشفاء وفرح الأهل به وذبحت الذبائح وأجتمع الأهل والأقارب والأصدقاء والجيران وأعدت الوليمه وبعد تناول هذه الوجبه الشهيه وسط فرحة الجميع دخل المسكين الى المزرعه بعد غياب دام طويلا وتذكر ذلك اليوم المشؤوم وأخذ يتأمل في تلك اللحظات المفجعه ونظرالى تلك الحنفيه البائسه وأقترب منها وهو في حيرة من أمره ووضع يده على مقبضها وأداره الى جهة اليسار فاذا بالحصان يخرج من الشيشمه!! وما أن خرج الحصان من الشيشمه حتى دخل عليه ابيه ليراه واقفا مرتبكا وبجانبه هذا الحصان الكارثه...
منقول
قصة من رواية (صلاح الغويل)...